تثار دائمًا نقاشات حول ما إذا كان تعلم اللغات يعتمد أكثر على الموهبة الطبيعية أم على النهج والسلوك الشخصي. يرى البعض أن الأشخاص متعددي اللغات يتمتعون بقدرات دماغية فريدة أو مواهب فطرية. ولكن، عند التعمق في هذا الموضوع، نجد أن العزيمة والاهتمام والجهد المستمر يلعبان دورًا أكثر أهمية في إتقان اللغات. دعونا نستكشف الجوانب الرئيسية لهذا النقاش ونكتشف ما الذي يعزز تعلم اللغة فعليًا.
تعرف على كيفية تعلم اللغة بذكاء
تعلم اللغات وتكيّف الدماغ
بينما يدّعي بعض الباحثين أن أدمغة الأشخاص متعددي اللغات تُظهر تغييرات محددة، مثل تحسين الذاكرة أو التكيف الأفضل، فإن هذه التغيرات ليست حصرية لمتعلمي اللغات. فقد أظهرت الدراسات أن الدماغ يتكيف وينمو مع أي نشاط عقلي مستمر.
على سبيل المثال
أظهرت دراسة أُجريت في لندن أن سائقي سيارات الأجرة لديهم “حصين” أكبر في الدماغ – الجزء المرتبط بالملاحة – بسبب حاجتهم لحفظ تخطيطات المدن المعقدة. وبالمثل، يساعد عزف الآلات الموسيقية على تحسين مناطق الدماغ المسؤولة عن التحكم الحركي. وبالتالي، يتضمن تعلم اللغات مثل هذا التكيف العقلي، وليس بالضرورة أن يكون معتمدًا على الموهبة الفطرية.
دور البيئة والفرصة
أحد العوامل الرئيسية في أن يصبح الشخص متحدثًا بعدة لغات هو البيئة. ففي المناطق التي تتعدد فيها اللغات، يتعلم الناس غالبًا عدة لغات بدافع الضرورة.
على سبيل المثال
في إثيوبيا، من الشائع أن يتحدث الأشخاص أربع أو خمس لغات بسبب التنوع اللغوي. تاريخيًا، تحدث شخصيات مثل فرانتشيك بالاتسكي، القومي التشيكي في القرن التاسع عشر، أكثر من 15 لغة بسبب الطبيعة متعددة اللغات للإمبراطورية النمساوية-المجرية التي عاش فيها.
هذا التأثير البيئي يظهر أن التعرض والحاجة هما ما يعززان علم اللغات. فإذا عاش شخص في منطقة يتحدث سكانها عدة لغات، فإنه سيجد نفسه مضطرًا لتعلمها للتعامل مع الحياة اليومية.
حاجز اللغة الأولى
على سبيل المثال
تشترك اللغات الرومانسية مثل الفرنسية والإسبانية والإيطالية في تشابهات في القواعد والمفردات. تعلم واحدة منها يجعل اكتساب الأخرى أقل صعوبة. وبالمثل، فإن اللغات السلافية مثل الروسية والتشيكية والبولندية لها هياكل متشابهة، مما يسهل الانتقال بينها.
النهج أهم من الموهبة
بينما قد تمنح الموهبة الطبيعية بعض الأفراد ميزة، إلا أن السلوك الشخصي أكثر أهمية. فالرغبة في الانغماس في اللغة، وقبول الأخطاء، واتباع عملية تعلم مناسبة كلها عوامل حاسمة. تلعب عوامل مثل الحافز، والعزيمة، والممارسة المستمرة دورًا أكبر من الموهبة الخام.
تدعم دراسة أجرتها الدكتورة إلين بياليستوك في جامعة يورك هذا الادعاء. وجدت الدراسة أن البالغين الذين اقتربوا من تعلم اللغة بفضول وانفتاح كانوا أكثر نجاحًا من أولئك الذين اعتقدوا أنهم يفتقرون إلى الكفاءة اللغوية. وهذا يشير إلى أن العقلية والطريقة التي نتبعها في التعلم تؤثر بشكل كبير على النتائج.
التغلب على حاجز اللهجة
قد تلعب الموهبة الطبيعية دورًا في النطق، حيث يجد بعض الأفراد أنه من الأسهل تقليد لهجة شبه أصلية في لغة أجنبية. ومع ذلك، فإن وجود لهجة لا يعيق التواصل الفعال. فالكثير من المتحدثين المتمكنين يحتفظون بلهجات قوية، لكنهم لا يزالون قادرين على التعبير عن أنفسهم بطلاقة وثقة. في النهاية، الأهم هو القدرة على توصيل المعنى، وليس النطق المثالي.
يمكنك أيضا القراءة عن اهم 10 اخطاء شائعة في الانجليزيه
ظاهرة متعددي اللغات
حقق بعض متعددي اللغات، مثل ريتشارد سيمكوت ولوكا لامبارييلو، إتقانًا للعديد من اللغات. وبينما قد يمتلكون بعض الكفاءة الطبيعية، فإن نجاحهم يعتمد في الغالب على الشغف والممارسة والأساليب التعليمية المنظمة. فهم يبحثون بنشاط عن الفرص لاستخدام لغاتهم، ويتفاعلون مع المتحدثين الأصليين، وينغمسون في السياقات الثقافية. وهذا يُظهر أن تعلم اللغات متاح لأي شخص على استعداد لاستثمار الوقت والجهد.
نصائح أساسية لمتعلمي اللغات
- ركز على الجهد: الاستمرارية والممارسة أكثر أهمية من الموهبة الطبيعية. ضع أهدافًا قابلة للتحقيق واعمل على تحقيقها يوميًا.
- خلق الفرص: انغمس في اللغة من خلال وسائل الإعلام والمحادثات والخبرات الثقافية.
- تقبل الأخطاء: لا تخف من الأخطاء؛ فهي جزء أساسي من التعلم.
- تبني العقلية الصحيحة: حافظ على الدافع والفضول والانفتاح تجاه عملية التعلم.
- استفد من اللغات ذات الصلة: استخدم التشابهات بين اللغات لصالحك عند تعلم عدة لغات.
الخلاصة
تعلم اللغات ليس مقتصرًا على الموهوبين استثنائيًا، بل يمكن تحقيقه لأي شخص لديه الفكر الصحيح والأسلوب المناسب. وبينما قد توفر الكفاءة الطبيعية بعض المزايا، فإن العزيمة والتعرض المستمر والجهد المنتظم هي المحركات الحقيقية للنجاح. كما تُظهر الأبحاث والعديد من الأمثلة، فإن إتقان اللغات يعتمد بشكل أقل على القدرة الفطرية وأكثر على الالتزام بالعملية التعليمية. سواء كنت تهدف إلى تعلم لغة واحدة أو عشرين، فإن العقلية الإيجابية والالتزام ستمهد الطريق نحو النجاح.