اللغة والذاكرة: هل الحفظ هو مفتاح تعلم اللغة؟

غالبًا ما يُعتقد أن اكتساب اللغة مرتبط بشكل وثيق بالذاكرة. يفترض العديد من المتعلمين أن المفتاح لإتقان اللغة يكمن في قدرتهم على تذكر المفردات الجديدة والقواعد النحوية. ومع ذلك، تشير الأبحاث الحديثة إلى أن الذاكرة، على الرغم من أهميتها، قد لا تكون العامل الحاسم في تحقيق الطلاقة؛ بل أن التعرض المنتظم للغة في سياقات متعددة قد يلعب دورًا أكثر أهمية في عملية التعلم.

Is memorization the key to learn a language

يمكنك أيضا معرفة أهم 6 عادات لمتعلمي اللغة الإنجليزية الناجحين

 

علاقة أنظمة التكرار المتباعد (Spaced Repetition (SRS بالذاكرة

أنظمة التكرار المتباعد (SRS)، مثل Anki وMemrise، صُممت لمساعدة المتعلمين على تذكر المفردات من خلال جلسات مراجعة منتظمة وفق مواعيد محددة. تعتمد هذه الأنظمة على فرضية أن الكلمات والمفاهيم تصبح مغروسة في الذاكرة طويلة الأمد من خلال التعرض المتكرر على فترات متباعدة. 

على الرغم من أن العديد من متعلمي اللغة يعتمدون على هذه الطرق، إلا أن العملية قد تكون مستهلكة للوقت، فالأساليب التي تركز على الحفظ تتطلب مراجعة مئات أو حتى آلاف الكلمات بشكل متكرر، مما يتطلب جهدًا ووقتًا كبيرين. بالنسبة للمتعلمين الذين يستمتعون بالتفاعل مع اللغة من خلال القراءة، والاستماع، والمحادثة، يمكن أن يؤدي هذا التركيز على أنظمة الذاكرة إلى تقليل الوقت المتاح لاستخدام اللغة في سياقات مفيدة.

 

دور الانغماس الفعّال في تعلم اللغة 

تدعم مجموعة متزايدة من الأبحاث فكرة أن اكتساب اللغة يكون أكثر فعالية من خلال الانغماس والتفاعل ذو المغزى، بدلاً من الحفظ الميكانيكي. على سبيل المثال، تشير دراسة أُجراها الدكتور ستيفن كراشن، خبير في اكتساب اللغة الثانية، إلى أهمية “المدخلات المفهومة” Comprehensible input — وهي الفكرة التي تقول أن المتعلمين يكتسبون اللغة بشكل أكثر فعالية عندما يتعرضون للغة التي يمكنهم فهمها في سياق، حتى لو لم يعرفوا كل كلمة أو قاعدة نحوية.

وفقًا لكراشن، لا يحتاج المتعلمون إلى حفظ المفردات بشكل صريح. فمن خلال التعرض المنتظم للغة في القراءة والاستماع، يبدأون في فهم الكلمات الجديدة بشكل طبيعي عندما يصادفونها عدة مرات في سياقات مختلفة. يتفق كلام دكتور كراشن مع النظرية التي تقول أنه يمكن للمتعلمين اكتساب الكلمات والأنماط دون وعي من خلال التفاعل المتكرر مع اللغة، بل هو أكثر فعالية من محاولة حفظها بشكل مجرد.

 

التعلم من خلال السياق، وليس الحفظ

في حين أن أنظمة التكرار المتباعد قد تسرع من تعلم الكلمات في البداية، إلا أنها غالبًا ما تفتقر إلى السياق الغني الذي تقدمه القراءة والاستماع. الكلمات المنفردة — مثل تلك الموجودة على البطاقات التعليمية — لا تقدم المعاني الدقيقة والروابط التي توفرها الجمل أو المحادثات. وبالتالي، قد يجد المتعلمون الذين يعتمدون فقط على أنظمة الذاكرة صعوبة في استخدام تلك الكلمات بطلاقة في المحادثات الحقيقية.

يمكّن التعلم من خلال السياق المتعلمين من فهم الأنماط، والهياكل النحوية، وقواعد الاستخدام بطريقة طبيعية ، عن طريق أشنطة كالقراءة والاستماع. على سبيل المثال، مصادفة نفس الكلمة عبر قصص أو مقالات مختلفة تساعد المتعلمين على ربط تلك الكلمة بمعانٍ متنوعة وتطوير فهمٍ أعمق للقواعد النحوية.

اطلع أيضا على عشر أخطاء شائعة في تعلم اللغات وكيفية تجنبها

 

دور العقل في اكتساب اللغة

بدلاً من التركيز فقط على الحفظ المتعمد، يعتمد تعلم اللغة على قدرة الدماغ على تكوين روابط وأنماط، وصلات مع مرور الوقت. تظهر الأبحاث في علم الأعصاب أن الدماغ يشكل مسارات عصبية عند تعرضه لمعلومات جديدة، مما يسمح للمتعلمين بمعالجة واستدعاء تلك المعلومات بشكل أفضل في وقت لاحق. الدكتورة ليرا بوروديتسكي، عالمة في علم الإدراك، تشير إلى أن هذه الروابط ليست مجرد روابط معرفية، بل عاطفية أيضًا، مما يسهل على متعلمي اللغة استيعاب الكلمات والعبارات الجديدة عندما تكون ذات صلة شخصية أو مشوقة عاطفياً.

تفسير هذه القدرة “البناءة” للدماغ يوضح للمتعلمين سبب تزايد استيعابهم للمعلومات،  في بعض الأحيان، عند عودتهم لاستكمال الدراسة، حتى وإن كان ذلك بعد استراحة من المذاكرة؛ حيث يستمر الدماغ في معالجة ودمج المعلومات الجديدة في الخلفية، وربط الكلمات الجديدة بكلمات مألوفة، مما يؤدي إلى بناء شبكة من الفهم.

 

التعرض كعامل أساسي في تعلم اللغة

يبدو أن السر في الطلاقة ليس في عدد الكلمات المحفوظة، بل في مقدار الوقت الذي يقضيه المتعلمون في التفاعل مع اللغة. أنشطة مثل القراءة والاستماع تعرض المتعلمين للكلمات والعبارات بشكل متكرر، مما يسمح للدماغ ببناء أنماط وفهم القواعد والأنماط اللغوية.

تؤدي هذه العملية التدريجية إلى فهم أعمق واحتفاظ أطول بالمفردات مقارنة بالبطاقات التعليمية أو تمارين الحفظ وحدها. على سبيل المثال، بدلاً من حفظ معنى الكلمة، يساهم سماعها في سياقات متنوعة في ترسيخ معناها بشكل طبيعي. في الواقع، يؤدي التعرض المتكرر في السياق إلى تعلم أسرع وأكثر استدامة، حيث يبدأ المتعلمون في ربط الكلمات الجديدة بالعواطف، والتجارب، والمعرفة اللغوية الأخرى.

 

الخلاصة: الذاكرة في السياق

بينما يمكن أن تكون أنظمة الذاكرة مثل التكرار المتباعد أدوات مفيدة، إلا أنها لا ينبغي أن تكون الطريقة الرئيسية لتعلم اللغة. يعتمد اكتساب اللغة الناجح على التعرض المستمر للغة من خلال القراءة، والاستماع، والتفاعل ذو المغزى. من خلال التفاعل مع اللغة في سياقات واقعية، يمكن للمتعلمين بناء الروابط والأنماط التي تمكنهم من تذكر واستخدام اللغة بشكل أكثر فعالية.

تعلم اللغة ليس مجرد حفظ قوائم المفردات، بل هو السماح للدماغ بتكوين روابط طبيعية من خلال التعرض المتكرر. كما تشير نظرية الدكتور كراشن لاكتساب اللغة، يكمن السر في إتقان لغة جديدة في المدخلات المفهومة والتفاعل المستمر والمفيد مع اللغة. لذا، بدلاً من التركيز كثيرًا على الحفظ، اغمر نفسك في اللغة قدر المستطاع — استمع، اقرأ، وتفاعل — ودع عقلك يتولى الباقي.

المصدر: Krashen, S. D. (1982). Principles and Practice in Second Language Acquisition. Pergamon Press.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Shopping Cart