نحدثكم اليوم عن واحدة من أشهر التحديات وأصعب المشكلات التي تواجهنا في حياتنا اليومية، بل وتدمرنا ببطء مع الأسف! إنها أحد أكبر موانع التعلم والاستمرار في أي شيء على الإطلاق. إنه التسويف والمماطلة يا سادة!
مقدمة: التسويف… هل هو الكسل؟
صدقت، أنا أقف في مكاني دون حراك منذ أيام وشهور بل وسنوات، حتى كرهت نفسي وتمكن مني الإحباط، أرى نفسي منهزم وفاشل، واحترفت جلد ذاتي ولازمني الإرهاق والتعب!
• لست وحدك! أظهرت الدراسات والأبحاث التي أجريت في الكليات والمعاهد ومراكز الأبحاث العالمية لفهم التسويف أن أغلب الناس تسوّف نسبة كبيرة من مهامها لأسباب مختلفة، لذلك كان لابد أن نقف في بداية رحلتنا عند هذه المحطة، لنحاول بطريقة علمية فهم أصل المشكلة، ثم نبحث عن حلول عملية واقعية للتغلب عليها.. مستعد؟
= بالتأكيد!
ما هو التسويف؟
التسويف والكسل: الفرق بينهما
- التسويف باختصار: يعني أن تقرر تأجيل إنجاز عمل معين “مهم وضروري” بدون أي تبرير أو مُسوغ منطقي، رغم معرفتك بالعواقب والأضرار المترتبة على تأجيله؛ فقد تختار أن تنجز مهام أقل أهمية، رغم كونها أكثر “إرهاقًا” ذهنيًا أو بدنيًا من العمل الضروري.
- أما الكسل فهو الرغبة في ألا تفعل شيئًا على الإطلاق، سواء مهم أو غير مهم، مفيد أو غير مفيد، ترغب في أن تسترخي فحسب!
القاعدة الأولى التي نحتاج لفهمها هي: ليس كل مُسوّف كسول.
يمكنك ايضا الاطلاع علي :- نصائح إنتاجية لتعلم اللغة بفعالية
أسباب التسويف: لماذا نفعل ذلك؟
1. تجنب الألم غير المصحوب بمتعة سريعة
قلنا مسبقًا أن أكثر ما يكون الإنسان حريص عليه بطبيعته “الغريزية” في معظم الأحيان هو أن يتجنب الألم ويبحث عن الراحة. لكن عندما نبدأ في تأمل الشخص الذي يترك عمله أو مذاكرته ثم يذهب للعب كرة أو يخرج للتنزه، سنجد أن اللعب أيضًا به ألم وبذل مجهود! لكن الفرق هو أن العمل بالنسبة لعقله شيء روتيني ممل جدًا، بلا أي سبيل للاستمتاع واللذة القريبة.
الحل:
- أولاً: أن نقرأ ونبحث أكثر عن فوائد المواد التي ندرسها أو الأعمال التي نقوم بها.
- ثانيًا: تغيير طريقة الاستذكار الروتينية لإضفاء عنصر من المتعة.
- ثالثًا: تحديد مكافأة مؤقتة سريعة لنفسك بعد إنجاز جزء “بسيط” من المهام المطلوبة.
2. السعي إلى الكمال ووضع الخطط المثالية
الحديث عن الكمال هو حديث مؤلم للكثيرين. هناك من يودون أن ينفذوا كل شيء بشكل مثالي ونموذجي، وعندما يُصدمون بالفجوة بين التخيل والواقع، يصابون بالإحباط ويقررون تأجيل العمل لأجل غير مسمى.
الحل:
- واجب الإتقان يختلف عن وهم الكمال. الإتقان يعني أن تبذل أفضل ما لديك ضمن إمكانياتك، أما السعي للكمال فيعني السعي وراء مستحيل.
- الإتقان لا يعني الأفضل على الإطلاق، بل الأفضل بالنسبة لك.
3. التشوه في تقدير الذات
“الثقة بالنفس كلام فارغ” كما قال د. أحمد خالد توفيق، لكن الأهم هو الوعي بالذات. هذا الوعي يقتضي أن تدرك ما لديك من نقاط قوة وضعف، وأن تدرك أن الكمال ليس هدفًا ممكنًا.
كيف يؤثر تقدير الذات على التسويف؟
- عندما يكون لديك وعي بذاتك وقدراتك، لن تقع في فخ السعي وراء الكمال.
- ستدرك أن الفشل ليس نهاية الطريق بل فرصة للنمو والتعلم.
4. معضلة الاختيار بين طرق عدة
في كثير من الأحيان، عندما يقرر أحدنا أن يبدأ في تعلم شيء جديد، يسأل نفسه: من أين أبدأ؟. هذا الاختيار بين مئات الطرق قد يؤدي إلى التسويف بسبب الحيرة.
الحل:
- لا تحتار كثيرًا، إذا قررت تعلم شيء، استشر أهل العلم ممن تثق في علمهم، وابدأ فورًا!
- الأهم هو أن تبدأ، فتجرب، وتتخبط، وتتعلم من أخطائك، بدلاً من الوقوف في نقطة الحيرة.
يمكنك الاستفاده من عشر أخطاء شائعة في تعلم اللغات وكيفية تجنبها
حلول عملية للتغلب على التسويف
1. تغيير نظرتك للأمور :- التغيير يبدأ بتغيير طريقة رؤيتك للمهمة التي أمامك. ابدأ في جعلها ممتعة، وابحث عن العائد السريع الذي يمكنك الحصول عليه عند إنجازها.
2. تحديد أهداف واقعية :- بدلاً من وضع خطط مثالية، حدد أهدافًا قابلة للتحقيق مع وضع خطوات صغيرة يمكنك تنفيذها.
3. محاسبة النفس بشكل موضوعي :- محاسبة النفس يجب أن تكون عملية موضوعية، وتجنب جلد الذات. محاسبة النفس تعني النظر إلى الأفعال بموضوعية والتفكير في أسباب الأخطاء لتحسينها مستقبلاً، بينما جلد الذات هو تحميل النفس فوق طاقتها والوقوع في فخ الإحباط.
الخاتمة: الطريق نحو القضاء على التسويف
التسويف ليس قدرًا محتوماً، بل هو تحدٍ يمكن التغلب عليه عبر فهم أسبابه والتعامل معها بحكمة. نحن بحاجة إلى تقدير ذاتنا بشكل إيجابي، ومحاسبة أنفسنا دون قسوة، وتعلم كيفية الاستمتاع بالمهام لتجاوز العقبات النفسية التي تقف أمام تقدمنا.